وقد سُئل العلامة ابن عثيمين - رحمه الله – هل يلزم المسلمين جميعاً في كل الدول الصيام برؤيه واحدة ؟
فأجاب : (( أن المسألة أختلف فيها أهل العلم إلى ثلاثة أقوال ( الفريق الأول والثاني ) دليلهم مشترك، وهو قول الله تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [ البقرة 185 ] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا رأيتموه فصوموا )) ، فذهب الفريق الأول أن الخطاب عام لجميع المسلمين ، وذهب الفريق الثاني أنه اذا اُختلفت المطالع فلكل مكان رؤيته، وذلك لمن كان في مكان لا يوافق مكان الرائي في مقطع الهلال لم يكن رآه حقيقةً ولا حكماً ، وقالوا : التوقيت الشهري كالتوقيت اليومي، فكما أن البلاد تختلف في الإمساك والإفطار اليومي، فكذلك يجب أن تختلف في الإمساك والإفطار الشهري ، ومن المعلوم أن الاختلاف اليومي له أثره بإتفاق المسلمين .
قال الشيخ : هذا القول كما ترى له قوته بمقتضى اللفظ ، والنظر الصحيح ، والقياس الصحيح أيضاً قياس التوقيت الشهري على التوقيت اليومي .ثم ذكر الرأي الثالث وهو أن لولي الأمر إن رأى وجوب الصوم صام الناس )) . [انظر الشرح الممتع [ 3 /13 وما بعدها ط دار العقيدة ].
وهذا ما ذهب إليه الشيخ الألباني - عليه الرحمة – مع أنه رجح القول الأول الذي يقول أن الخطاب عام لجميع المسلمين ، إلا أنه يرى أن يعمل المسلمون الآن بالرأي الثاني ، وهو : أن لكل بلدٍ رؤيته منعاً لوقوع الخلاف والفرقة ، حتى يأذن الله باتفاق كلمة المسلمين على إمام واحد ))[ انظر تمام المنة للألباني : 398 ].
وهو قرار اللجنة الدائمة بالمملكة ، وهيئة كبار العلماء رقم (10 /135 شاملة )
قالوا : (( قد مضى على ظهور هذا الدين أربعة عشر قرنا، لا نعلم منها فترة جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة؛ فإن أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء يرون بقاء الأمر على ما كان عليه، وعدم إثارة هذا الموضوع، وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما في المسألة، إذ لكل منهما أدلته ومستنداته ) أهـ .
Benefit :
قلت : و هذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس و توحيد صفوفهم , و إبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية , فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد - و لو كان صوابا في وجهة نظره - في عبادة جماعية كالصوم و التعبيد و صلاة الجماعة .
ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصلي بعضهم وراء بعض و فيهم من يرى أن مس المرأة و العضو و خروج الدم من نواقض الوضوء , و منهم من لا يرى ذلك , و منهم من يتم في السفر , و منهم من يقصر , فلم يكن اختلافهم هذا و غيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد , و الاعتداد بها , و ذلك لعلمهم بأن التفرق في الدين شر من الاختلاف في بعض الآراء , و لقد بلغ الأمر ببعضهم في عدم الإعتداد بالرأي المخالف لرأى الإمام الأعظم في المجتمع الأكبر كمنى , إلى حد ترك العمل برأيه إطلاقا في ذلك المجتمع فرارا مما قد ينتج من الشر بسبب العمل برأيه , فروى أبو داود ( 1 / 307 ) أن عثمان رضي الله عنه صلى بمنى أربعا , فقال عبد الله بن مسعود منكرا عليه : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين , و مع أبي بكر ركعتين , و مع عمر ركعتين , و مع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها , ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين , ثم إن ابن مسعود صلى أربعا ! فقيل له : عبت على عثمان ثم صليت أربعا ?! قال : الخلاف شر .
و سنده صحيح . و روى أحمد ( 5 / 155 ) نحو هذا عن أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين .
فليتأمل في هذا الحديث و في الأثر المذكور أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في صلواتهم , و لا يقتدون ببعض أئمة المساجد , و خاصة في صلاة الوتر في رمضان , بحجة كونهم على خلاف مذهبهم ! و بعض أولئك الذين يدعون العلم بالفلك , ممن يصوم و يفطر وحده متقدما أو متأخرا عن جماعة المسلمين , معتدا برأيه و علمه , غير مبال بالخروج عنهم , فليتأمل هؤلاء جميعا فيما ذكرناه من العلم , لعلهم يجدون شفاء لما في نفوسهم من جهل و غرور , فيكونوا صفا واحدا مع إخوانهم المسلمين فإن يد الله مع الجماعة . اهـ"السلسلة الصحيحة" 1 / 389 .
http://backtosalafiyyah.blogspot.com/2015/05/what-should-muslims-in-non-muslim.html
No comments:
Post a Comment