Saturday 10 January 2015

تحريم التصوير Pictures are Forbidden




حجم الخط
 -   N   + 

عربي
English
Français
Español
Indonesia
Türkçe
فارسی
اردو
中文
 فتاوى ابن باز

تصفح برقم المجلد > المجلد الرابع > حكم التصوير

(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 210)

حكم التصوير:

السؤال:

س: ما قولكم في حكم التصوير الذي قد عمت به البلوى وانهمك فيه الناس؟ تفضلوا بالجواب الشافي عمّا يحل منه وما يحرم، أثابكم الله تعالى.


الجواب:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح والمسانيد والسنن دالة على تحريم تصوير كل ذي روح ، آدميًّا كان أو غيره، وهتك الستور التي فيها الصور، والأمر بطمس الصور ولعن المصورين، وبيان أنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة. وأنا أذكر لك جملة من الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الباب، وأذكر بعض كلام العلماء عليها، وأبين ما هو الصواب في هذه المسألة إن شاء الله.

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: ومَن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي، فليخلقوا ذَرّة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة لفظ مسلم .

وفيهما أيضًا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون .

ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الذين

(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 211)

يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم
لفظ البخاري .

وروى البخاري في الصحيح عن أبي جحيفة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب البغي، ولعن آكل الربا وموكله، والواشمة والمستوشمة والمصور .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ صَوّر صورة في الدنيا كُلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ متفق عليه .

وخرج مسلم عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها، فقال: ( ادْن مني ) فدنا منه، ثم قال: ( ادْن مني ) فدنا منه، حتى وضع يده على رأسه فقال: أنبؤك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسًا تعذبه في جهنم، وقال: إن كنت لا بدّ فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له .

وخرج البخاري قوله: إن كنت لا بدّ فاعلاً.. إلخ في آخر الحديث الذي قبل بنحو ما ذكره مسلم .

وخرجه الترمذي في جامعه وقال: حسن صحيح عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت، ونهى أن يصنع ذلك .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال: يا عائشة أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله، قالت عائشة : فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين . رواه مسلم .


(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 212)

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال: أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله، قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين خرجه البخاري ومسلم ، وزاد مسلم بعد قوله: ( هتكه ): ( وتلون وجهه ). اهـ.

وعنها قالت: قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر وعلقت دُرْنوكا فيه تماثيل فأمرني أن أنزعه فنزعته . رواه البخاري ، ورواه مسلم بلفظ: وقد سترت على بابي درنوكا فيه الخيل ذوات الأجنحة، فأمرني فنزعته .

وعن القاسم بن محمد عن عائشة أيضًا قالت: اشتريت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، قالت: يا رسول الله: أتوب إلى الله وإلى رسوله ما أذنبت؟ قال: ما بال هذه النمرقة؟ فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم وقال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة رواه البخاري ومسلم ، زاد مسلم من رواية ابن الماجشون قالت: فأخذته فجعلته مرفقتين، فكان يرتفق بهما في البيت.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة متفق عليه واللفظ لمسلم .

وخرج مسلم عن زيد بن خالد عن أبي طلحة مرفوعًا قال: لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تماثيل .

وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام قال: إنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة .

وخرج مسلم عن عائشة وميمونة مثله.


(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 213)

وخرج مسلم أيضًا عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدَع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مُشرفًا إلا سويته ، وخرج أبو داود بسند جيد عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب زمن الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى محيت كل صورة فيها.

وخرج أبو داود الطيالسي في مسنده عن أسامة قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة ورأى صورًا، فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول: قاتل الله قومًا يصورون ما لا يخلقون قال الحافظ: إسناده جيد.

قال: وخرج عمر بن شَبّهْ من طريق عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى ابن عباس عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فأمرني فأتيته بماء في دلو فجعل يبل الثوب ويضرب به على الصور ويقول: قاتل الله قومًا يصورون ما لا يخلقون . اهـ.

وخرج البخاري في صحيحه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه . ورواه الكشميهني بلفظ " تصاوير " وترجم عليه البخاري رحمه الله بـ " باب نقض الصور " وساق هذا الحديث.

وفي الصحيحين عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد عن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة قال بسر : ثم اشتكى زيد فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صورة، فقلت لعبيد الله الخولاني ربيب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ فقال عبيد الله : ألم تسمعه حين قال: إلا رقمًا في ثوب؟ وفي رواية لهما من طريق عمرو بن الحارث عن بكير الأشج عن بسر : فقلت لعبيد الله

(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 214)

الخولاني
: ألم يحدثنا في التصاوير؟ قال إنه قال: إلا رقمًا في ثوب. ألم تسمعه؟ قلت: لا. قال بلى قد ذكر ذلك.

وفي المسند وسنن النسائي عن عبيد الله بن عبد الله أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده فوجد عنده سهل بن حنيف ، فأمر أبو طلحة إنسانًا ينزع نمطًا تحته، فقال له سهل : لِمَ تنزع؟ قال: لأنه فيه تصاوير وقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد علمت. قال: ألم يقل إلا رقمًا في ثوب؟ قال بلى ولكنه أطيب لنفسي . اهـ وسنده جيد، وأخرجه الترمذي بهذا اللفظ وقال: حسن صحيح.

وخرج أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قِرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمرْ برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومرْ بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن، ومرْ بالكلب فليخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا الكلب لحسن أو لحسين كان تحت نضد لهما فأمر به فأخرج . هذا لفظ أبي داود ، ولفظ الترمذي نحوه. ولفظ النسائي : استأذن جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادخل فقال: كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإما أن تقطع رءوسها أو تجعل بساطًا يوطأ، فإنا معشر الملائكة لا ندخل بيتًا فيه تصاوير . اهـ.

وفي الباب من الأحاديث غير ما ذكرنا كثير.

وهذه الأحاديث وما جاء في معناها دالة دلالة ظاهرة على تحريم التصوير لكل ذي روح ، وأن ذلك من كبائر الذنوب المتوعد عليها بالنار.

وهي عامة لأنواع التصوير سواء كان للصورة ظل أم لا، وسواء كان

(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 215)

التصوير في حائط أو ستر أو قميص أو مرآة أو قرطاس أو غير ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين ما له ظل وغيره، ولا بين ما جعل في ستر أو غيره، بل لعن المصور، وأخبر أن المصورين أشد الناس عذابًا يوم القيامة، وأن كل مصور في النار، وأطلق ذلك ولم يستثن شيئًا.

ويؤيد العموم أنه لما رأى التصاوير في الستر الذي عند عائشة هتكه وتلون وجهه وقال: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله وفي لفظ أنه قال عندما رأى الستر: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم فهذا اللفظ ونحوه صريح في دخول المصور للصور في الستور ونحوها في عموم الوعيد.

وأما قوله في حديث أبي طلحة وسهل بن حنيف : " إلا رقمًا في ثوب " فهذا استثناء من الصور المانعة من دخول الملائكة لا من التصوير، وذلك واضح من سياق الحديث، والمراد بذلك إذا كان الرقم في ثوب ونحوه يبسط ويمتهن، ومثله الوسادة الممتهنة كما يدل عليه حديث عائشة المتقدم في قطعها الستر وجعله وسادة أو وسادتين. وحديث أبي هريرة وقول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: ( فمرْ برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومُرْ بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن )، ففعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .

ولا يجوز حمل الاستثناء على الصورة في الثوب المعلق أو المنصوب على باب أو جدار أو نحو ذلك؛ لأن أحاديث عائشة صريحة في منع مثل هذا الستر، ووجوب إزالته أو هتكه كما تقدم ذكرها بألفاظها.

وحديث أبي هريرة صريح في أن مثل هذا الستر مانع من دخول الملائكة، حتى يبسط أو يقطع رأس التمثال الذي فيه فيكون كهيئة الشجرة، وأحاديثه عليه الصلاة والسلام لا تتناقض بل يصدق بعضها

(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 216)

بعضًا، ومهما أمكن الجمع بينها بوجه مناسب ليس فيه تعسف وجب وقدم على مسلكي الترجيح والنسخ كما هو مقرر في علمي الأصول ومصطلح الحديث، وقد أمكن الجمع بينها هنا بما ذكرناه فللّه الحمد.

وقد رجح الحافظ في الفتح الجمع بين الأحاديث بما ذكرته آنفًا وقال: قال الخطابي : والصورة التي لا تدخل الملائكة البيت الذي هي فيه ما يحرم اقتناؤه، وهو ما يكون من الصور التي فيها الروح مما لم يقطع رأسه أو لم يمتهن. اهـ.

وقال الخطابي أيضًا رحمه الله تعالى: إنما عظمت عقوبة المصور لأن الصور كانت تعبد من دون الله؛ ولأن النظر إليها يفتن وبعض النفوس إليها تميل. اهـ.

وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه، وإن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتًا فيه صورة أو كلب ".

قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها، وأما تصوير صورة الشجرة ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام.

هذا حكم نفس التصوير. وأما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان فإن كان معلقًا على حائط أو ثوبًا ملبوسًا أو عمامة ونحو ذلك مما لا يعد ممتهنًا فهو حرام، وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام... إلى أن قال: ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل وما لا ظل له.


(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 217)

هذا تلخيص مذهبنا في المسألة، وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم.

وقال بعض السلف: إنما ينهى عمّا كان له ظل، ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل، وهذا مذهب باطل، فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم، وليس لصورته ظل - مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة
. اهـ.

قال الحافظ بعد ذكره لملخص كلام النووي هذا:

قلت: ويؤيد التعميم فيما له ظل وما لا ظل له ما أخرجه أحمد من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثنًا إلا كسره، ولا صورة إلا لطخها أي طمسها. الحديث.

وفيه من عاد إلى صنعة شيء من هذا فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . اهـ.

قلت: ومن تأمل الأحاديث المتقدمة تبين له دلالتها على تعميم التحريم، وعدم الفرق بين ما له ظل وغيره كما تقدم توضيح ذلك.

فإن قيل: قد تقدم في حديث زيد بن خالد عن أبي طلحة أن بسر بن سعيد الراوي عن زيد قال: ثم اشتكى زيد فعدناه، فإذا على بابه ستر فيه صورة - فظاهر هذا يدل على أن زيدًا يرى جواز تعليق الستور التي فيها الصور .

فالجواب: أن أحاديث عائشة المتقدمة وما جاء في معناها دالة على تحريم تعليق الستور التي فيها الصور وعلى وجوب هتكها، وعلى أنها تمنع دخول الملائكة، وإذا صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تجز

(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 218)

معارضتها بقول أحد من الناس ولا فعله كائنًا من كان، ووجب على المؤمن اتباعها والتمسك بما دلت عليه، ورفض ما خالفه كما قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وقال تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ فقد ضمن الله سبحانه في هذه الآية الهداية لمن أطاع الرسول، وقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .

ولعل زيدًا رضي الله عنه لم يعلم الستر المذكور، أو لم تبلغه الأحاديث الدالة على تحريم تعليق الستور التي فيها الصور، فأخذ بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: إلا رقمًا في ثوب فيكون معذورًا لعدم علمه بها. وأما من علم الأحاديث الصحيحة الدالة على تحريم نصب الستور التي فيها الصور فلا عذر له في مخالفتها. ومتى خالف العبد الأحاديث الصحيحة الصريحة اتباعًا للهوى، أو تقليدًا لأحد من الناس استوجب غضب الرب ومقته، وخيف عليه من زيغ القلب وفتنته، كما حذر الله سبحانه من ذلك في قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ الآية. وفي قوله تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وقوله تعالى: فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ الآية.

وتقدم في حديث أبي هريرة الدلالة على أن الصورة إذا قطع رأسها جاز تركها في البيت؛ لأنها تكون كهيئة الشجرة، وذلك يدل على أن تصوير

(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 219)

الشجر ونحوه مما لا روح فيه جائز، كما تقدم ذلك صريحًا من رواية الشيخين عن ابن عباس موقوفًا عليه.

ويستدل بالحديث المذكور أيضًا على أن قطع غير الرأس من الصورة كقطع نصفها الأسفل ونحوه لا يكفي ولا يبيح استعمالها، ولا يزول به المانع من دخول الملائكة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهتك الصور ومحوها وأخبر أنها تمنع من دخول الملائكة إلا ما امتهن منها أو قطع رأسه، فمن ادعى مسوغًا لبقاء الصورة في البيت غير هذين الأمرين فعليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الصورة إذا قطع رأسها كان باقيها كهيئة الشجرة، وذلك يدل على أن المسوغ لبقائها خروجها عن شكل ذوات الأرواح ومشابهتها للجمادات، والصورة إذا قطع أسفلها وبقي رأسها لم تكن بهذه المثابة لبقاء الوجه، ولأن في الوجه من بديع الخلقة والتصوير ما ليس في بقية البدن، فلا يجوز قياس غيره عليه عند مَن عَقلَ عن الله ورسوله مراده.

وبذلك يتبين لطالب الحق أن تصوير الرأس وما يليه من الحيوان داخل في التحريم والمنع؛ لأن الأحاديث الصحيحة المتقدمة تعمُّه، وليس لأحد أن يستثني من عمومها إلا ما استثناه الشارع.

ولا فرق في هذا بين الصور المجسدة وغيرها من المنقوشة في ستر أو قرطاس أو نحوهما ، ولا بين صور الآدميين وغيرها من كل ذي روح، ولا بين صور الملوك والعلماء وغيرهم، بل التحريم في صور الملوك والعلماء ونحوهم من المعظمين أشد؛ لأن الفتنة بهم أعظم ونصْب صورهم في المجالس ونحوها وتعظيمها من أعظم وسائل الشرك وعبادة أرباب الصور من دون الله، كما وقع ذلك لقوم نوح ، وتقدم في كلام الخطابي الإشارة إلى هذا.

وقد كانت الصور في عهد الجاهلية كثيرة معظمة معبودة من دون الله

(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 220)

حتى بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم فكسر الأصنام، ومحى الصور وأزال الله به الشرك ووسائله، فكل من صور صورة أو نصبها أو عظمها فقد شابه الكفار فيما صنعوا، وفتح للناس باب الشرك ووسائله، ومن أمر بالتصوير أو رضي به فحكمه حكم فاعله في المنع واستحقاق الوعيد؛ لأنه قد تقرر في الكتاب والسنة وكلام أهل العلم تحريم الأمر بالمعصية والرضا بها كما يحرم فعلها وقد قال الله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وقال تعالى: وَقَدْ نَـزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ فدلت الآية على أن من حضر المنكر ولم يعرض عن أهله فهو مثلهم.

فإذا كان الساكت عن المنكر مع القدرة على الإنكار أو المفارقة مثل من فعله، فالآمر بالمنكر أو الراضي به يكون أعظم جرمًا من الساكت، وأسوأ حالاً، وأحق بأن يكون مثل من فعله. والأدلة في هذا المعنى كثيرة يجدها من طلبها في مظانها.

وبما ذكرناه في هذا الجواب من الأحاديث وكلام أهل العلم يتبين لمريد الحق أن توسع الناس في تصوير ذوات الأرواح في الكتب والمجلات والجرائد والرسائل خطأ بيّن ومعصية ظاهرة يجب على من نصح نفسه الحذر منها وتحذير إخوانه من ذلك، بعد التوبة النصوح مما قد سلف.

ويتبين له أَيضًا مما سلف من الأدلة أنه لا يجوز بقاء هذه التصاوير المشار إليها على حالها بل يجب قطع رأسها أو طمسها ما لم تكن في بساط

(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 221)

ونحوه مما يداس ويمتهن فإنه لا بأس بتركها على حالها كما تقدم الدليل على ذلك في أحاديث عائشة وأبي هريرة ، وأما اللعب المصورة على صورة شيء من ذوات الأرواح فقد اختلف العلماء في جواز اتخاذها للبنات وعدمه.

وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه، فَيُسَرِّبُهنَّ إليّ يلعبن معي .

قال الحافظ في الفتح: استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن ، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض ، ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن، قال: وذهب بعضهم إلى أنه منسوخ، وإليه مال ابن بطال ، وحكى عن ابن أبي زيد عن مالك أنه كره أن يشتري الرجل لابنته الصور، ومن ثم رجح الداودي أنه منسوخ.

وقد ترجم ابن حبان : " الإباحة لصغار النساء اللعب باللعب " وترجم له النسائي : " إباحة الرجل لزوجته اللعب بالبنات " فلم يقيد بالصغر، وفيه نظر.

قال البيهقي بعد تخريج الأحاديث: ثبت النهي عن اتخاذ الصور، فيحمل على أن الرخصة لعائشة في ذلك كانت قبل التحريم، وبه جزم ابن الجوزي ...
إلى أن قال: وأخرج أبو داود والنسائي من وجه آخر عن عائشة قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ، فذكر الحديث في هتكه الستر الذي نصبته على بابها، قالت: فكشف ناحية الستر على بنات لعائشة - لعب - فقال: ما هذا يا عائشة ؟ قالت: بناتي، قالت: ورأى فيها فرسًا مربوطًا له جناحان، فقال: ما هذا؟ قلت: فرس له جناحان، قلت: ألم

(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 222)

تسمع أنه كان لسليمان خيل لها أجنحة؟ فضحك...
إلى أن قال: قال الخطابي : في هذا الحديث أن اللعب بالبنات ليس كالتلهي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد، وإنما أرخص لعائشة فيها لأنها إذ ذاك كانت غير بالغة.

قلت: وفي الجزم به نظر، لكنه محتمل؛ لأن عائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة، إما أكملتها أو جاوزتها أو قاربتها، وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعًا، فيترجح رواية من قال: " في خيبر " ويجمع بما قال الخطابي ؛ لأن ذلك أولى من التعارض. انتهى المقصود من كلام الحافظ.

إذا عرفت ما ذكره الحافظ رحمه الله تعالى فالأحوط ترك اتخاذ اللعب المصورة ؛ لأن في حلها شكًّا لاحتمال أن يكون إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة على اتخاذ اللعب المصورة قبل الأمر بطمس الصور، فيكون ذلك منسوخًا بالأحاديث التي فيها الأمر بمحو الصور وطمسها إلا ما قطع رأسه أو كان ممتهنًا كما ذهب إليه البيهقي وابن الجوزي ، ومال إليه ابن بطال ، ويحتمل أنها مخصوصة من النهي كما قاله الجمهور لمصلحة التمرين، ولأن في لعب البنات بها نوع امتهان، ومع الاحتمال المذكور والشك في حلها يكون الأحوط تركها، وتمرين البنات بلعب غير مصورة حسمًا لمادة بقاء الصور المجسدة، وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وقوله في حديث النعمان بن بشير المخرج في الصحيحين مرفوعًا: الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه والله أعلم.


وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم...


http://www.alifta.net/fatawa/fatawaDetails.aspx?View=Page&PageID=327&PageNo=1&BookID=4
  سابق     تالي   


  





بسم الله الرحمن الرحيم 

السؤال :

👈
ما هو الضابط الشرعي 
في تصوير العلماء عند إلقاء المحاضرات والندوات ؟

🔑
الجواب :

👈
الضابط الشرعي أن هذاحرام والناس ما هم بحاجة يتفرجون على العلماء، الناس بحاجة إلى أن يسمعوا كلام أهل العلم، ويَبْلغهم كلامهم، ولم يزل الناس يستفيدون من كلام علماء سبقوهم بمئات السنين عن طريق الكتب، والتصوير -معشر الأحبة- من الكبائر؛ لأن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لَعَنَ فاعله، كما في صحيح مسلم، في حديث آكل الرِّبا وموكله، وكاتبه، ولَعَنَ المُصَوِّر، اللَّعن لا يكون إلا على كبيرة من كبائر الذنوب، والله -جلَّ وعلا- يقول في الحديث القدسي:
((
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً))
((
كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ))، ويُقال للمصورين يوم القيامة ((أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ))، فيا ولدي الكريم؛ العلماء الناس ما يحتاجون إلى صورهم، يحتاجون إلى علمهم وإلى نفعهم للناس لتوجيههم إلى ما ينفعهم، والعلماء أكثر النَّاس كراهة لهذا الأمر، وأكثر النَّاس نُصحًا للأمّة وبيانًا لتحريم هذا الأمر.

👈
وإذ حصلت ضرورة فإنَّها تُقَدَّر بِقَدَرِها، ومن الضرورة ما نحتاج أنا وأنتم إليه من المعاملات الرَّسمية؛ مثل البطاقة، مثل الإقامة، مثل حفيظة النفوس التي الآن عندنا تَبَدَّل ببطاقة الوطنية، مثل الرُّخصة، مثل التسجيل في المدارس، في الوظائف، إذا تَوَقَّفت الأمور على مثل هذا، فهذا ضرورة، أمَّا أن يأتي الإنسان ويحفظ حياته كلّها بالصور، من يوم أن وُلد وهم يُصَوِّرونه، هذا لا شك أنَّه من المُحَرَّمات التي لا يَشُكُّ من عَرَفَ العِلْم فيها.


💡
للعلامةالفاضل الحبيب💡
_
محمد المدخلي حفظه الله _ 

موقع ميراث الأنبياء 👉


📝
انتقاه محبكم في الله📝
_
أبو بكر بن يوسف الشريف_






Related

http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=151148&hl=


 : 


http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=149967&hl=

No comments:

Post a Comment