الأماكن المنهي عن الصلاة فيها.
الحلقة الأولى :
قال الألباني: "لا تجوز الصلاة في أماكن عشرة :
الأول: المقبرة: وهي الموضع الذي دفن فيه إنسان؛ واحد فأكثر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام :
(الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ).
قال شيخ الإسلام في "الاختيارات:
"وذكر طائفة من أصحابنا أن المقبرة ثلاثة قبور فصاعدا وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور وهو الصواب والمقبرة كل ما قبر فيه لا أنه جمع قبر".
وسواء في ذلك أكان القبر قبلته أو عن يمينه أو عن يساره أو خلفه، لكن استقباله بالصلاة أشد لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِد) .
وقوله :
( إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ).
وذهب بعضهم إلى بطلان الصلاة فيها؛ وهو محتمل والله أعلم، وقد ذهب إلى هذا ابن حزم في "المحلى" ورواه عن أحمد أنه قال:
"من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبدا".
قال ابن حزم:
"فلا تحل الصلاة حيث ذكرنا إلا صلاة الجنازة فإنها تصلى في المقبرة وعلى القبر الذي قد دفن صاحبه كما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
نحرم ما نهى عنه ونعد من القرب إلى الله تعالى أن نفعل مثل ما فعل فأمره ونهيه حق وفعله حق وما عدا ذلك فباطل والحمد لله رب العالمين".
وقال الشوكاني بعد أن حكى مذاهب العلماء في المسألة:
"وأحاديث النهي المتواترة - كما قال ذلك الإمام "ابن حزم" - لا تقصر عن الدلالة على التحريم الذي هو المعنى الحقيقي له، وقد تقرر في الأصول أن النهي يدل على فساد المنهي عنه فيكون الحق التحريم والبطلان؛ لأن الفساد الذي يقتضيه النهي؛ هو المرادف للبطلان من غير فرق بين الصلاة على القبر وبين المقابر وكل ما صدق عليه لفظ المقبرة".
وقال شيخ الإسلام في "الاختيارات":
"ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها والنهي عن ذلك هو سد لذريعة الشرك .. ، وقال أصحابنا:
وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه.
فهذا يعين أن المنع يكون متناولا لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه وذكر الآمدي وغيره أنه لا تجوز الصلاة فيه أي المسجد الذي قبلته إلى القبر حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر وذكر بعضهم: هذا منصوص أحمد".
الثاني:
المساجد المبنية على القبور لما في الصلاة فيها من التشبه باليهود والنصارى وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم :
(إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، فَمَاتَ؛ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) .
وقال:
(أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ) .
واعلم أن الحديث الأول:
يفيد تحريم بناء المساجد على القبور وذلك يستلزم تحريم الصلاة فيها من باب أولى لأنه - كما لا يخفى - من قبيل النهي عن الوسيلة - وهو البناء - لكي لا تتحقق الغاية - وهي العبادة في هذا البناء الذي أقيم على معصية الله تعالى - لما يترتب من وراء ذلك من المفاسد الاعتقادية كما هو الواقع.
وأما الحديث الثاني:
فهو أعم من الأول لأنه بلفظه يشمل الوسيلة والغاية فاتخاذ المكان مسجدا معناه الصلاة فيه ومعناه البناء عليه من أجل الصلاة والسجود فيه فكل منهما مستلزم للآخر، ومن المعلوم بالبداهة أن اليهود والنصارى الملعونين إنما بنوا تلك المساجد؛ للصلاة فيها، فمن صلى في مسجد فيه قبر ولو لم يقصد القبر؛ فقد شابه أولئك المغضوب عليهم والضالين، وقد نهينا عن التشبه بهم في نصوص عامة وخاصة ولذلك قال العلامة ابن الملك - وهو من علمائنا الحنفية - في شرح حديث ابن عباس المذكور آنفا:
"إنما حرم اتخاذ المساجد عليها لأن في الصلاة فيها استنانا بسنة اليهود".
نقله الشيخ علي القاري في "المرقاة".
يضاف إلى ما تقدم أن الصلاة في المساجد المبنية على القبور قد تفضي بصاحبها أو بمن يقتدي به من العوام والجهال إلى تخصيص الميت ببعض العبادات الخاصة بالله تعالى كالاستغاثة والسجود كما هو واقع في أكثر المساجد المبنية على القبور وهو مشاهد فنهى عن ذلك سدا للذريعة فهو كالنهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة المكروهة تحريما بل المفسدة في تلك المساجد أوضح وأظهر منها في هذه الأوقات كما يشهد به الواقع
وهذا كله فيمن لم يقصد الصلاة في تلك المساجد وأما قصدها لأجل صاحب القبر متبركا به معتقدا أن الصلاة عنده أفضل من الصلاة في المساجد المجردة عن القبور فهو عين المشاقة والمحادة لله ولرسوله وهذه الصلاة حقيق بها قول من قال ببطلانها.
قال شيخ الإسلام في "الاقتضاء":
وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا بل كل موضع يصلى فيه فإنه يسمى مسجدا وإن لم يكن هناك بناء كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِداً، وَطَهُوراً)".
انتهى باختصار من "الثمر المستطاب" (1 / 357-376).
ويُتْبع ...
No comments:
Post a Comment