بعض الأدلة والأقوال في أن الفقير يُزوّج
قوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ
وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ
يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور/ 32 ، فبحسن
التوكل ، والرغبة في العفاف ، وطلب ما عند الله من الفضل ، يرجى لمثل هذا الناكح أن
يعينه الله ، ويرزقه من فضله ، كما روى الترمذي (1655) وحسنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ : الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ ) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وقد بوّب الإمام البخاري رحمه الله للحديث بقوله : " بَاب تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) " ، قال الحافظ رحمه الله :
" قَوْله : لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمْ اللَّه مِنْ فَضْله ) هُوَ تَعْلِيل لِحُكْمِ التَّرْجَمَة , وَمُحَصِّله أَنَّ الْفَقْر فِي الْحَال لَا يَمْنَع التَّزْوِيج , لِاحْتِمَالِ حُصُول الْمَال فِي الْمَآل " انتهى .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس: " رغبهم الله في التزويج ، وأمر به الأحرار والعبيد، ووعدهم عليه الغنى ، فقال : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) .
وعن ابن مسعود قال : " التمسوا الغنى في النكاح " .
"تفسير ابن كثير" (6 /51) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" أمر - سبحانه - في هذه الآية الكريمة بإنكاح الأيامي والصالحين من العباد والإماء ، وأخبر وهو الصادق في خبره ، أن ذلك من أسباب الفضل للفقراء ، حتى يطمئن الأزواج وأولياء النساء أن الفقر لا ينبغي أن يمنع الزواج ، بل هو من أسباب الرزق والغنى " انتهى من "فتاوى إسلامية" (3 /213) .
( ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ : الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ ) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وقد بوّب الإمام البخاري رحمه الله للحديث بقوله : " بَاب تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) " ، قال الحافظ رحمه الله :
" قَوْله : لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمْ اللَّه مِنْ فَضْله ) هُوَ تَعْلِيل لِحُكْمِ التَّرْجَمَة , وَمُحَصِّله أَنَّ الْفَقْر فِي الْحَال لَا يَمْنَع التَّزْوِيج , لِاحْتِمَالِ حُصُول الْمَال فِي الْمَآل " انتهى .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس: " رغبهم الله في التزويج ، وأمر به الأحرار والعبيد، ووعدهم عليه الغنى ، فقال : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) .
وعن ابن مسعود قال : " التمسوا الغنى في النكاح " .
"تفسير ابن كثير" (6 /51) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" أمر - سبحانه - في هذه الآية الكريمة بإنكاح الأيامي والصالحين من العباد والإماء ، وأخبر وهو الصادق في خبره ، أن ذلك من أسباب الفضل للفقراء ، حتى يطمئن الأزواج وأولياء النساء أن الفقر لا ينبغي أن يمنع الزواج ، بل هو من أسباب الرزق والغنى " انتهى من "فتاوى إسلامية" (3 /213) .
ثانياً: قول ابن عباس -رضي الله عنه-.
في قوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال في هذه الآية: "أمر الله سبحانه بالنكاح، ورغّبهم فيه، وأمرهم أن يزوجوا أحرارهم وعبيدهم، ووعدهم في ذلك الغنى". (تفسير الطبري)
ثالثاً: قول ابن مسعود -رضي الله عنه-.
جاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله تعالى : (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}". (تفسير الطبري)
رابعاً: قول ابن عمر -رضي الله عنه-.
روي عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "عجبت لمن لا يرغب في الباءة والله يقول: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}". (أحكام القرآن)
خامساً: قول ابن العربي -رحمه الله-.
في قوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} قال ابن العربي -رحمه الله-: "في هذه الآية دليل على تزويج الفقير، ولا يقولن كيف أتزوج وليس لي مال، فإن رزقه ورزق عياله على الله، وقد زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- الموهوبة من بعض أصحابه وليس له إلا إزار واحد، وليس لها بعد هذا فسخ النكاح بالإعسار لأنها دخلت عليه، وإنما يكون ذلك على الحكم إذا دخلت على اليسار فخرج معسراً أو طرأ الإعسار بعد ذلك، والله أعلم". (أحكام القرآن)
سادساً: قول السّعدي -رحمه الله-.
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السّعدي -رحمه الله-:
"فلا يمنعكم ما تتوهمون من أنه إذا تزوج افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه، وفيه حث على التزوج، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر". (تيسير الكريم الرحمن)
قال تَعالى :
{ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم } . [النور: 32] .
قال البخاري في "صحيحه" :
"بَابُ تَزْوِيجِ المُعْسِرِ الَّذِي مَعَهُ القُرْآنُ وَالإِسْلاَمُ" .
وقال في موضع آخر منه : "بَابُ تَزْوِيجِ المُعْسِرِ" .
ولله در القائل :
ولست أرى السَّعادةَ جمع مال ... ولكن التقي هو السعيدُ
وتقوى الله خير الزّاد ذُخراً .... وعند الله للأتقى مزيدُ
فَعَنْ رَبِيعَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : "كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لِي : ( يَا رَبِيعَةُ ! أَلَا تَزَوَّجُ ؟ ) ، قَالَ : قُلْتُ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ ، مَا عِنْدِي مَا يُقِيمُ الْمَرْأَةَ ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَشْغَلَنِي عَنْكَ شَيْءٌ ، فَأَعْرَضَ عَنِّي فَخَدَمْتُهُ مَا خَدَمْتُهُ ، ثُمَّ قَالَ لِي الثَّانِيَةَ : ( يَا رَبِيعَةُ ! أَلَا تَزَوَّجُ ؟ ) ، فَقُلْتُ : مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ ، مَا عِنْدِي مَا يُقِيمُ الْمَرْأَةَ ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَشْغَلَنِي عَنْكَ شَيْءٌ، فَأَعْرَضَ عَنِّي ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُصْلِحُنِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؛ أَعْلَمُ مِنِّي ، وَاللَّهِ لَئِنْ قَالَ : تَزَوَّجْ لَأَقُولَنَّ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مُرْنِي بِمَا شِئْتَ ، قَالَ : فَقَالَ :
(يَا رَبِيعَةُ ! أَلَا تَزَوَّجُ ؟ ) ، فَقُلْتُ : بَلَى ، مُرْنِي بِمَا شِئْتَ ، قَالَ :
( انْطَلِقْ إِلَى آلِ فُلَانٍ حَيٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ - وَكَانَ فِيهِمْ تَرَاخٍ - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْ لَهُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ ، يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي فُلَانَةَ لِامْرَأَةٍ مِنْهُمْ ) ، فَذَهَبْتُ فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ ، يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي فُلَانَةَ ، فَقَالُوا : مَرْحَباً بِرَسُولِ اللَّهِ ، وَبِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاللَّهِ لَا يَرْجِعُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِحَاجَتِهِ ، فَزَوَّجُونِي ، وَأَلْطَفُونِي ، وَمَا سَأَلُونِي الْبَيِّنَةَ ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَزِيناً ، فَقَالَ لِي :
( مَا لَكَ يَا رَبِيعَةُ ؟ ) ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَتَيْتُ قَوْماً كِرَاماً ؛ فَزَوَّجُونِي ، وَأَكْرَمُونِي ، وَأَلْطَفُونِي ، وَمَا سَأَلُونِي بَيِّنَةً ، وَلَيْسَ عِنْدِي صَدَاقٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( يَا بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ ! اجْمَعُوا لَهُ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ) ، قَالَ : فَجَمَعُوا لِي وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَأَخَذْتُ مَا جَمَعُوا لِي فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ :
( اذْهَبْ بِهَذَا إِلَيْهِمْ فَقُلْ : هَذَا صَدَاقُهَا ) ، فَأَتَيْتُهُمْ ، فَقُلْتُ : هَذَا صَدَاقُهَا ؛ فَرَضُوهُ ، وَقَبِلُوهُ ، وَقَالُوا : كَثِيرٌ طَيِّبٌ ، قَالَ : ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَزِيناً ، فَقَالَ :
( يَا رَبِيعَةُ ! مَا لَكَ حَزِينٌ ؟ ) ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا رَأَيْتُ قَوْماً أَكْرَمَ مِنْهُمْ ؛ رَضُوا بِمَا آتَيْتُهُمْ ، وَأَحْسَنُوا ، وَقَالُوا : كَثِيراً طَيِّباً ، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُولِمُ ، قَالَ :
( يَا بُرَيْدَةُ ! اجْمَعُوا لَهُ شَاةً ) ، قَالَ : فَجَمَعُوا لِي كَبْشاً عَظِيماً سَمِيناً ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( اذْهَبْ إِلَى عَائِشَةَ ، فَقُلْ لَهَا : فَلْتَبْعَثْ بِالْمِكْتَلِ الَّذِي فِيهِ الطَّعَامُ ) ، قَالَ : فَأَتَيْتُهَا ، فَقُلْتُ لَهَا مَا أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : هَذَا الْمِكْتَلُ ؛ فِيهِ تِسْعُ آصُعِ شَعِيرٍ ؛ لَا وَاللَّهِ إِنْ أَصْبَحَ لَنَا طَعَامٌ غَيْرُهُ ، خُذْهُ فَأَخَذْتُهُ ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَخْبَرْتُهُ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ ، فَقَالَ :
( اذْهَبْ بِهَذَا إِلَيْهِمْ ، فَقُلْ : لِيُصْبِحْ هَذَا عِنْدَكُمْ خُبْزاً ) ، فَذَهَبْتُ إِلَيْهِمْ ، وَذَهَبْتُ بِالْكَبْشِ ، وَمَعِي أُنَاسٌ مِنْ أَسْلَمَ ، فَقَالَ : لِيُصْبِحْ هَذَا عِنْدَكُمْ خُبْزاً ، وَهَذَا طَبِيخاً ، فَقَالُوا : أَمَّا الْخُبْزُ ؛ فَسَنَكْفِيكُمُوهُ ، وَأَمَّا الْكَبْشُ ؛ فَاكْفُونَا أَنْتُمْ ، فَأَخَذْنَا الْكَبْشَ أَنَا وَأُنَاسٌ مِنْ أَسْلَمَ ، فَذَبَحْنَاهُ ، وَسَلَخْنَاهُ ، وَطَبَخْنَاهُ ، فَأَصْبَحَ عِنْدَنَا خُبْزٌ ، وَلَحْمٌ ؛ فَأَوْلَمْتُ ، وَدَعَوْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي بَعْدَ ذَلِكَ أَرْضاً ، وَأَعْطَى أَبَا بَكْرٍ أَرْضاً ، وَجَاءَتِ الدُّنْيَا" .
رواه الطيالسي (1173)، وأحمد (4 / 58)، والطبراني في "الكبير" (4577، 4578)، والحاكم (2 / 172-174)، وقال : "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ" .
في قوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال في هذه الآية: "أمر الله سبحانه بالنكاح، ورغّبهم فيه، وأمرهم أن يزوجوا أحرارهم وعبيدهم، ووعدهم في ذلك الغنى". (تفسير الطبري)
ثالثاً: قول ابن مسعود -رضي الله عنه-.
جاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله تعالى : (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}". (تفسير الطبري)
رابعاً: قول ابن عمر -رضي الله عنه-.
روي عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "عجبت لمن لا يرغب في الباءة والله يقول: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}". (أحكام القرآن)
خامساً: قول ابن العربي -رحمه الله-.
في قوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} قال ابن العربي -رحمه الله-: "في هذه الآية دليل على تزويج الفقير، ولا يقولن كيف أتزوج وليس لي مال، فإن رزقه ورزق عياله على الله، وقد زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- الموهوبة من بعض أصحابه وليس له إلا إزار واحد، وليس لها بعد هذا فسخ النكاح بالإعسار لأنها دخلت عليه، وإنما يكون ذلك على الحكم إذا دخلت على اليسار فخرج معسراً أو طرأ الإعسار بعد ذلك، والله أعلم". (أحكام القرآن)
سادساً: قول السّعدي -رحمه الله-.
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السّعدي -رحمه الله-:
"فلا يمنعكم ما تتوهمون من أنه إذا تزوج افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه، وفيه حث على التزوج، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر". (تيسير الكريم الرحمن)
قال تَعالى :
{ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم } . [النور: 32] .
قال البخاري في "صحيحه" :
"بَابُ تَزْوِيجِ المُعْسِرِ الَّذِي مَعَهُ القُرْآنُ وَالإِسْلاَمُ" .
وقال في موضع آخر منه : "بَابُ تَزْوِيجِ المُعْسِرِ" .
ولله در القائل :
ولست أرى السَّعادةَ جمع مال ... ولكن التقي هو السعيدُ
وتقوى الله خير الزّاد ذُخراً .... وعند الله للأتقى مزيدُ
فَعَنْ رَبِيعَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : "كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لِي : ( يَا رَبِيعَةُ ! أَلَا تَزَوَّجُ ؟ ) ، قَالَ : قُلْتُ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ ، مَا عِنْدِي مَا يُقِيمُ الْمَرْأَةَ ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَشْغَلَنِي عَنْكَ شَيْءٌ ، فَأَعْرَضَ عَنِّي فَخَدَمْتُهُ مَا خَدَمْتُهُ ، ثُمَّ قَالَ لِي الثَّانِيَةَ : ( يَا رَبِيعَةُ ! أَلَا تَزَوَّجُ ؟ ) ، فَقُلْتُ : مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ ، مَا عِنْدِي مَا يُقِيمُ الْمَرْأَةَ ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَشْغَلَنِي عَنْكَ شَيْءٌ، فَأَعْرَضَ عَنِّي ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُصْلِحُنِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؛ أَعْلَمُ مِنِّي ، وَاللَّهِ لَئِنْ قَالَ : تَزَوَّجْ لَأَقُولَنَّ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مُرْنِي بِمَا شِئْتَ ، قَالَ : فَقَالَ :
(يَا رَبِيعَةُ ! أَلَا تَزَوَّجُ ؟ ) ، فَقُلْتُ : بَلَى ، مُرْنِي بِمَا شِئْتَ ، قَالَ :
( انْطَلِقْ إِلَى آلِ فُلَانٍ حَيٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ - وَكَانَ فِيهِمْ تَرَاخٍ - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْ لَهُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ ، يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي فُلَانَةَ لِامْرَأَةٍ مِنْهُمْ ) ، فَذَهَبْتُ فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ ، يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي فُلَانَةَ ، فَقَالُوا : مَرْحَباً بِرَسُولِ اللَّهِ ، وَبِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاللَّهِ لَا يَرْجِعُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِحَاجَتِهِ ، فَزَوَّجُونِي ، وَأَلْطَفُونِي ، وَمَا سَأَلُونِي الْبَيِّنَةَ ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَزِيناً ، فَقَالَ لِي :
( مَا لَكَ يَا رَبِيعَةُ ؟ ) ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَتَيْتُ قَوْماً كِرَاماً ؛ فَزَوَّجُونِي ، وَأَكْرَمُونِي ، وَأَلْطَفُونِي ، وَمَا سَأَلُونِي بَيِّنَةً ، وَلَيْسَ عِنْدِي صَدَاقٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( يَا بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ ! اجْمَعُوا لَهُ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ) ، قَالَ : فَجَمَعُوا لِي وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَأَخَذْتُ مَا جَمَعُوا لِي فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ :
( اذْهَبْ بِهَذَا إِلَيْهِمْ فَقُلْ : هَذَا صَدَاقُهَا ) ، فَأَتَيْتُهُمْ ، فَقُلْتُ : هَذَا صَدَاقُهَا ؛ فَرَضُوهُ ، وَقَبِلُوهُ ، وَقَالُوا : كَثِيرٌ طَيِّبٌ ، قَالَ : ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَزِيناً ، فَقَالَ :
( يَا رَبِيعَةُ ! مَا لَكَ حَزِينٌ ؟ ) ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا رَأَيْتُ قَوْماً أَكْرَمَ مِنْهُمْ ؛ رَضُوا بِمَا آتَيْتُهُمْ ، وَأَحْسَنُوا ، وَقَالُوا : كَثِيراً طَيِّباً ، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُولِمُ ، قَالَ :
( يَا بُرَيْدَةُ ! اجْمَعُوا لَهُ شَاةً ) ، قَالَ : فَجَمَعُوا لِي كَبْشاً عَظِيماً سَمِيناً ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( اذْهَبْ إِلَى عَائِشَةَ ، فَقُلْ لَهَا : فَلْتَبْعَثْ بِالْمِكْتَلِ الَّذِي فِيهِ الطَّعَامُ ) ، قَالَ : فَأَتَيْتُهَا ، فَقُلْتُ لَهَا مَا أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : هَذَا الْمِكْتَلُ ؛ فِيهِ تِسْعُ آصُعِ شَعِيرٍ ؛ لَا وَاللَّهِ إِنْ أَصْبَحَ لَنَا طَعَامٌ غَيْرُهُ ، خُذْهُ فَأَخَذْتُهُ ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَخْبَرْتُهُ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ ، فَقَالَ :
( اذْهَبْ بِهَذَا إِلَيْهِمْ ، فَقُلْ : لِيُصْبِحْ هَذَا عِنْدَكُمْ خُبْزاً ) ، فَذَهَبْتُ إِلَيْهِمْ ، وَذَهَبْتُ بِالْكَبْشِ ، وَمَعِي أُنَاسٌ مِنْ أَسْلَمَ ، فَقَالَ : لِيُصْبِحْ هَذَا عِنْدَكُمْ خُبْزاً ، وَهَذَا طَبِيخاً ، فَقَالُوا : أَمَّا الْخُبْزُ ؛ فَسَنَكْفِيكُمُوهُ ، وَأَمَّا الْكَبْشُ ؛ فَاكْفُونَا أَنْتُمْ ، فَأَخَذْنَا الْكَبْشَ أَنَا وَأُنَاسٌ مِنْ أَسْلَمَ ، فَذَبَحْنَاهُ ، وَسَلَخْنَاهُ ، وَطَبَخْنَاهُ ، فَأَصْبَحَ عِنْدَنَا خُبْزٌ ، وَلَحْمٌ ؛ فَأَوْلَمْتُ ، وَدَعَوْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي بَعْدَ ذَلِكَ أَرْضاً ، وَأَعْطَى أَبَا بَكْرٍ أَرْضاً ، وَجَاءَتِ الدُّنْيَا" .
رواه الطيالسي (1173)، وأحمد (4 / 58)، والطبراني في "الكبير" (4577، 4578)، والحاكم (2 / 172-174)، وقال : "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ" .
No comments:
Post a Comment